الإصدار الثّاني من رخصة وقف، 3 المحرّم 1435 رخصة “وقف” العامة
هذه الوثيقة هي الاتّفاقية الضابطة لأذون الاستفادة من المادّة المُغطاة بها، حيث تُعدّ بمثابة العقد الموقّع بين النّاشر و المُستفيد، فلكل عقد ضوابط و شروط، و إنّنا نرى أنّ الاتّفاقيات الاحتكارية لا تُقيّد فقط المُستفيد بل تؤثّر على قيمة العمل الفكري و تسلبه جوهره العلمي و تُحيله من نور يُستضاء به إلى مُجرّد سلعة فانية. حيث يملك أول مودعٍِ للعمل الفكري حقّ المُلكية الفكرية، و تنحصر رؤيتنا لهذه المُلكية بالصّورة المعنوية للعمل الفكري بذات نفسه وفق الضّوابط أدناه، بعكس الرّخص الاحتكارية التي تضع قيودًا مُجحفة تُبقي الطّرف الثّاني ضعيفًا و مُتشجّعًا لانتهاكها ما أمكَنه ذلك.
لدينا رؤيتنا التي تقدّم البديل المُناسب حيث أنّنا نقدّم أعمالنا الفكرية من برامج حاسوبية و غيرها ابتغاء وجه الله، و التي تُمثّل الرّكيزة الأساسية لهذه الرّخصة و التي تميزها عن الرخص المملوكة، و على أي غايةٍ أخرى (مثل نشر العلم النّافع أو جني الأرباح) أن تتحقّق بوسيلة لا تخالف هذا الهدف الأسمى.
في قناعتنا - التي لا نلزم أحدًا بها و التي لا يضيرك أن لا تشترك معنا فيها - أنّ الإسلام يحرّم و بشكلٍ قطعي حكر العلم والمعرفة و الإنتاج الفكري على وجه الإطلاق، و هذا التّحريم يأتي من عدة أوجه:
- حديث رسول الله صلّى الله عليه و سلم : “من كتم علمًا ألجمه الله يوم القيامة بلجامٍ من نار” (1)، و قد جاءت كلمة العلم نكرةً في سياق الإطلاق فهي تنطبق على العلوم النّافعة للأُمّة غير الضّار نشرها.
- أنّ الإسلام حدّد ما يصحّ أن يكون مملوكًا، و ذلك لا ينطبق على العمل الفكري لأنّه ليس عينًا محصورًا و أغلب شروط اتفاقيات النّشر المملوكة تقع في بيع الغرر (ذاك أنّ ما لا يجوز بيعه لا يجوز تملكه) دلّ عليه ما ورد من النّهي عن بيع الغرر في صحيح مسلم (و يدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع المعدوم و المجهول و ما لا يُقدر على تسليمه و ما لم يتمّ ملك البائع عليه) و ما ورد عن الأئمة الأربعة من فهمهم لهذا.
- لسنا بحاجة لابتداع شيء لنشر العلم لأنّ الأعمال الفكرية ليست مُحدثة و أنّ قرون الخير الأولى نشرت العلم دون تملكها.
- حبس المعرفة والعلم عمّن يحتاجهما هو إضرار بالناس لصالح قلةٍ منهم، وهذا ممّا نهى عنه الشّارع فلا ضرر و لا ضرار.
- انتفاء مبرر المصلحة إذا وجدت طرق لنشر الأعمال الفكرية و الرّبح منها دون كتمها.
- إنّ المتمعن في قوانين الملكية الفكرية المختلفة يجدها تتلخص بإعطاء النّاشر الحقّ في تحريم ما أحله الله ليكون ذلك مدخلًا له في كسب مادي، و لا علاقة لهذه القوانين بتقديم خدمة أو منتج معين، فالمادة “المملوكة” مُبهمة غامضة و ادّعاء ملكيتها يفتح باب الابتزاز.
و نحن في وقف (كما في العديد من الرخص المُضادة لحكر التّوزيع) تهمّنا مصلحة عموم البشر على نظيرتها لدى مُعظّمي المصلحة الذّاتية، و لا نغفل عن اهتمامنا بمصلحة صاحب العمل الرّاجي للثّواب من الله عزّ و جلّ، فنعتقد أنّ حقوق الطّبع و التّوزيع “ممنوحة” و ليست “محفوظة” و ذلك كما أسلفنا وفق الضوابط أدناه. و نقف هنا عند مسألتين:
- الأولى: أنّ الحقّ الأدبي لصاحب العمل يبقى للمُبتكر الأصلي على كل الأحوال. فلا يجوز لأحد أن يأخذ هذا العمل و ينتحله أو أن يدّعيه كلّيًا أو جزئيًا لنفسه.
- و الثّانية: أنّ لصاحب العمل و لغيره الإفادة المادية من العمل كأن يطلب أتعابًا أو يتقاضى أجرًا عن تحسينه أو تطويره أو أجرًا عن تدريسه و هكذا. أمّا ما وراء ذلك فلا يحقّ له ادعاء ملكيته للفكرة أو العمل في صورته المعنوية و لا يحقّ له منع الآخرين من إعادة نشرها و من الاستفادة منها. و هذا لا يتناقض مع كون العمل موقوفًا لأنّ الموقوف هو أصل العمل الفكري بصورته المعنوية و ليس الوسيط أو الخدمة (2).
تكون التعريفات هنا هي المقصودة عند استخدامها في الرّخصة:
- العمل الفكري (أو اختصارًا العمل): هو أي عمل فكري نافع غير مادي و لا ملموس و يمكن لمن يتلقاه عمل نسخ منه و نقله إلى آخرين دون أي عبء على من قام بإيصال النّسخة إليه ، و هو الموقوف.
- صاحب العمل: هو الشخص المُبتكِر أو الجهة التي قامت بتطوير و توفير العمل الفكري (و التي تملك حقوق النّسخ و النّشر و التّوزيع كلًّا أو بعضًا عند الجهات الرّسمية إن لزم الأمر)، و هو الواقف ويجب أن يكون مالكًا للأهلية التي تخوّله الإقرار لحظة النّشر.
- المنتفع (المستخدِم): هو الشّخص أو الجهة التي ترغب بالانتفاع من العمل الفكري، و هو الموقوف عليه.
- رخصة الاستخدام (أو اختصارًا الرّخصة): هي هذا العقد الذي بين يديك وهو عقد بين صاحب العمل والمنتفع يحقّ للمنتفع بموجبه و ضمن شروطه الاستفادة و الانتفاع من العمل. و نظرًا لتوفر العمل بشكل مفتوح للجميع فإن قيام المنتفع بالاستفادة من العمل الفكري يعني بالضرورة إقراره و موافقته على كافة شروط الرّخصة. فإذا لم يكن المنتفع موافقًا على الرّخصة تسحب منه الحقوق الممنوحة بموجبها و يصبح أي انتفاع بالعمل غير مشروع و يعرّض نفسه للمقاضاة.
رخصة وقف العامة، يرمز لها اختصارًا بـ “وقف”، هي رخصة لتوزيع العمل الفكري (من برمجيات أو مؤلفات مكتوبة أو إنتاج فني على سبيل المثال لا الحصر). تتشابه هذه الرخصة في أهدافها مع رخص البرمجيات الحرة والتّوثيق الحر و رخصة الإنتاج المشترك. ولكنّها تزيد عليها ببعض الجوانب المتعلقة بالهدف من وراء الإنتاج و حدود الاستخدام.
رخصة وقف و كما يقترح الاسم هي إقرار من صاحب العمل بأنّ هذا العمل هو وقف لله تعالى و يتقصّد به نوال رضاه من خلال انتفاع الناس به، أي أنّ هذا العمل هو صدقة جارية لوجه الله تعالى. وبذلك فإنّ رخصة وقف تقرّ بأن للمنتفع -أيًا كان جنسه أو لونه أو عقيدته- الحقّ في الإفادة من العمل و إعادة توزيعه وحتى تطويره ضمن الشروط التالية:
كلّ ما سبق ذكره في المقدمة و التعريفات و مقدمة البنود، هي جزءٌ لا يتجزأ من بنود الرّخصة.
يحقّ للمنتفع استخدام العمل ضمن أي غرض فيه منفعة و صاحب العمل ينصح بأن لا يتمّ استخدام عمله فيما يسيء للآخرين أو يخالف مبادئ الإسلام السّمحة، و صاحب العمل غير مسؤولٍ البتّة عن مخالفات المُنتفع للشّرع الإسلامي أو الإساءة للآخرين في استخدام العمل.
يُمكن لرخصة وقف تغطية الأعمال الجديدة كليًا، كما يُمكنها تغطية الأعمال المنشورة برخصٍ أخرى لا تتعارض جوهريًا معها، كما يُمكن لوقف تغطية الجُزئيات المُكمّلة لأعمال بُرخصٍ أخرى، أو تلك الأعمال التي عفت عنها القوانين المحلية بسبب انتهاء مدّتها، و لا تُغطي رُخصة وقف إطلاقًا الأعمال الضّارة أو التي يغلب الظّن أنّها ضارة.
لا تخضع رخصة وقف لحدٍ زمني، فلا ينتهي نشر العمل برخصة وقف بمدّة معينة، حيث يُعدّ تاريخ كلّ استخدام للعمل بمثابة تاريخ جديد لتوقيع هذه الاتفاقية -أي تاريخ جديد للنّشر و تاريخ جديد لقبول النّشر- فمهما كانت المدّة القصوى للملكية الفكرية ضمن القوانين المحلية فهي ساقطةٌ حُكمًا لأنّ كل استخدام للعمل يعيد بدء تلك المُدّة من الصّفر.
يحقّ للمنتفع إعادة توزيع العمل بصورته الأصلية و دون تعديل و تحت شروط رخصة وقف، بالكمّ الذي يريد مع صون ذكر الحقّ الأدبي لصاحب العمل.
يحقّ للمنتفع الحصول على النّسخة المصدرية للعمل كما و يحقّ له التّعديل عليها بما يناسب احتياجاته و ضمن الحدود الموضّحة في باقي البنود.
يحق للمنتفع إعادة توزيع العمل المعدّل فقط تحت رخصة وقف العامة و على أن يذكر أصل العمل المعدّل و طبيعة التّعديل و أن يكون واضحًا بما لا يدع مجالًا للُّبْس أنّ هذه النّسخة مُعدلة و ليست هي النّسخة الأصلية التي انتجها صاحب العمل الأول.
لا يتحملّ صاحب العمل أية مسؤولية لا قانونية و لا أخلاقية عن حسن أو إساءة استخدام العمل أو الأضرار المباشرة أو غير المباشرة النّاتجة عنه إلى أقصى حدٍ يسمح به القانون. و صاحب العمل بهذا لا يقدّم أية ضمانةٍ لا ضمنًا و لا تصريحًا بقدرة المنتج على تحقيق أي غرض. المسؤولية الكاملة تقع على عاتق المنتفع و الضّمانة الوحيدة المقدّمة له هي مصدر العمل.